
مغرب العالم/ الرباط
اعتادت الجالية المغربية المقيمة بالخارج أن تتوافد بكثافة إلى المغرب خلال أشهر الصيف، لا سيما في شهري يوليوز وغشت، حيث تتحول العديد من المدن والقرى المغربية إلى مراكز حيوية نابضة بالحياة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ هذا الإقبال يعرف تراجعًا ملحوظًا، وظهرت أصوات تعبر عن استيائها من الظروف المحيطة بزيارة الوطن الأم.
ومما يثير الانتباه أن شريحة واسعة من الجالية أصبحت تفضل زيارة المغرب في فترات أخرى، مثل العطل الربيعية، ورأس السنة، والأعياد الدينية، حيث تكون أسعار تذاكر الطائرات والبواخر منخفضة نسبيًا مقارنة بفترة الصيف، كما تكون تكاليف المعيشة والخدمات أقل، ما يدفع العديد منهم إلى تفادي السفر صيفًا، واختيار وجهات أوروبية بديلة مثل إسبانيا أو البرتغال للاستجمام، لما توفره من جودة خدمات وأسعار معقولة.
أسباب العزوف عن زيارة المغرب
- غلاء تذاكر البواخر والطائرات
أبرز ما يشكو منه مغاربة العالم هو الارتفاع المهول في أسعار تذاكر النقل، سواء عبر الطائرات أو البواخر. فرحلة عائلية من أوروبا إلى المغرب قد تكلف أضعاف ما تكلفه رحلات إلى وجهات أوروبية أخرى أكثر تنظيماً وأقل كلفة.
- تدهور النظافة والاحترافية في التعامل
لا تزال النظافة في الأماكن العامة، من مطارات، محطات، شواطئ، ومرافق عمومية دون المستوى المطلوب. كما أن سلوك بعض العاملين في نقاط العبور أو الفنادق أو المطاعم لا يعكس الاحترافية، ما يترك انطباعًا سلبيًا لدى الزائرين.
- الغلاء المعيشي غير المبرر
يعاني المغرب من ارتفاع غير مبرر في الأسعار، خاصة في فصل الصيف. إذ يُلاحظ أن تكاليف الإقامة، والمطاعم، وحتى السلع اليومية، تفوق نظيرتها في دول جنوب أوروبا، مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
- الازدحام والتأخير في المعابر الحدودية
تعرف موانئ ومطارات المغرب ازدحامًا شديدًا خلال الصيف، مع بطء في الإجراءات الإدارية، مما يولّد حالة من التذمر، خصوصًا عند الدخول أو الخروج من البلاد.
- ارتفاع أسعار الفنادق والمنتجعات
تكاليف الإقامة في المغرب أصبحت مرتفعة بشكل لافت، حيث أن أسعار الفنادق أو الكراء الموسمي تتجاوز في كثير من الأحيان أسعار إقامة مماثلة في مدن أوروبية ذات جودة أعلى.
- تكرار توقيف سيارات المهاجرين
يعاني عدد من أبناء الجالية من توقيف متكرر من قبل الشرطة أو الدرك خلال تنقلاتهم في المغرب، ما يعتبره البعض نوعًا من “المضايقة”، ويؤثر على إحساسهم بالراحة والانتماء.
- الغلاء الفاحش في أسعار المواد الأساسية
من الأمثلة الصارخة على ذلك، وصول ثمن كيلوغرام واحد من السردين – المنتج محليًا – إلى 40 درهمًا في بعض المدن الساحلية! وهو ما يعكس خللًا في سلاسل التوزيع والرقابة.
- تدني الجودة مقابل الأسعار
رغم الأسعار المرتفعة، فإن الزائر لا يلقى غالبًا خدمة في المستوى: سواء من حيث النظافة، الجودة، أو حسن المعاملة. المطاعم والمقاهي تعاني من ضعف التكوين والرقابة.
الحلول الممكنة لإعادة ثقة الجالية
- تسقيف أسعار النقل الجوي والبحري صيفًا
دعم حكومي مباشر لتذاكر الجالية خلال الصيف، أو توقيع اتفاقيات خاصة مع شركات النقل لتخفيض الأسعار، على غرار ما تقوم به بعض الدول لجذب جالياتها.
- تحسين البنية التحتية للعبور والمعابر
رقمنة الإجراءات الجمركية، وتوفير مسالك خاصة بأبناء الجالية، مع تعزيز الموارد البشرية في المطارات والموانئ للحد من الانتظار والازدحام.
- تشجيع السياحة الداخلية بأسعار معقولة
مراقبة أسعار الفنادق والمطاعم، ودعم المبادرات المحلية للسكن السياحي بتكاليف مناسبة للعائلات، من خلال تحفيز مشاريع الإيواء الأسري والمعاشات الصغيرة.
- إصلاح سلوك وتعامل السلطات الأمنية
إصدار تعليمات صارمة للسلطات بعدم توقيف سيارات المهاجرين إلا في الحالات الضرورية، وتدريب رجال الأمن على التواصل الحضاري والمواطنة الإيجابية.
- مراقبة الأسعار وحماية المستهلك
تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، وتشديد الرقابة على المضاربات والاحتكار، وتفعيل الخطوط الساخنة لتلقي شكايات الزوار.
- تكوين العاملين في القطاع السياحي
إطلاق برامج تدريب واسعة لموظفي الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية على أسس الجودة وخدمة الزبناء، وتقديم تحفيزات للملتزمين بمعايير الجودة.
خاتمة
إن مغاربة العالم ليسوا فقط زائرين عابرين، بل هم ركيزة اقتصادية ووطنية، وعودتهم الموسمية إلى الوطن تمثل فرصة لتعزيز الارتباط، وضخ العملة الصعبة، وإنعاش الاقتصاد المحلي، والمساهمة في الودائع المصرفية والاستثمار.
ولتحقيق ذلك، لا بد من إصلاحات حقيقية، لا ترقيعية، تعيد الثقة وتحسن تجربة الزائر. فالجالية المغربية بالخارج، برغم الحنين والانتماء، بدأت تُقيِّم زياراتها بعقلانية وتفضّل الجودة على الشعارات، وهو ما يفرض على كل المتدخلين إعادة النظر في المنظومة السياحية والخدمية برمتها.