
صدر عن مركز الأبحاث “طفرة” تقرير يكشف، أن عدداً كبيراً من الجماعات الترابية في المغرب ما تزال متأخرة في الوفاء بالتزاماتها القانونية المتعلقة بنشر الحد الأدنى من المعطيات المفتوحة، رغم الجهود المبذولة على المستوى المحلي لتعزيز الشفافية. وأوضح التقرير أن مؤشر “SMIIG-DATA”، الذي يعنى بقياس مدى التزام الجماعات الترابية بنشر المعلومات، أظهر استمرار وجود اختلالات واضحة في احترام مقتضيات القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.
ويُعد مؤشر “SMIIG-DATA”، الذي طورته جمعية “طفرة”، آلية لتقييم أداء الجماعات الترابية عبر تحليل جودة وتوفر البيانات على المواقع الإلكترونية الرسمية الخاصة بها. ويأخذ المؤشر بعين الاعتبار عدة معايير، من بينها قابلية الوصول إلى المعلومات، ومستوى التحيين، والتوافق مع المقتضيات القانونية. وتُمنح كل جماعة نقطة تقييم تعكس مستوى احترامها لهذه المعايير.
وبحسب نتائج المؤشر، فإن من بين 12 جهة إدارية على الصعيد الوطني، لا تتوفر سوى 8 جهات على مواقع إلكترونية رسمية، وهي: جهة بني ملال-خنيفرة، جهة الدار البيضاء-سطات، جهة كلميم واد نون، جهة فاس-مكناس، جهة مراكش-آسفي، الجهة الشرقية، جهة سوس ماسة، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة. في المقابل، لا تزال أربع جهات دون موقع رسمي، ما يمثل خللاً بنيوياً في بنية التواصل المؤسسي.
وتُعد جهة بني ملال-خنيفرة الوحيدة التي استطاعت تجاوز المعدل الوطني وفق مؤشر “SMIIG-DATA”، إذ حصلت على 55 نقطة من أصل 100، رغم تسجيل تراجع طفيف مقارنة بسنة 2023 التي حققت فيها 57 نقطة. أما باقي الجهات، فرغم توفرها على مواقع إلكترونية، لم ترقَ إلى المستوى المطلوب من حيث نشر المعلومات الحيوية والأساسية.
وسلّط التقرير الضوء على طبيعة المعلومات التي تُنشر غالباً من طرف الجماعات، حيث تبيّن أن المعطيات المتعلقة بالمشاركة المواطنة والحكامة الترابية هي الأكثر تواجداً على المواقع، مثل تشكيلة المجالس المنتخبة، وهيئات التشاور، ولجان العمل. في المقابل، تبقى المعطيات المالية – رغم أهميتها القصوى لضمان الشفافية والمساءلة – شبه غائبة، ولا تحظى بالنشر إلا نادراً.
وسجل التقرير غياباً شبه تام للبيانات المالية على المواقع الإلكترونية التابعة للجهات الثمانية التي تمت دراستها. فلا توجد معلومات محدثة حول الميزانيات السنوية، أو القوائم المحاسباتية الخاصة بمديري المؤسسات العمومية، أو لوائح ممتلكات الجهات، ما يعمّق الفجوة بين المواطن والإدارة، ويحد من فعالية الحق في الوصول إلى المعلومة.
وعلى مستوى العمالات والأقاليم، وقف التقرير على “هوة رقمية” لا تقل خطورة، إذ تم تحديد 23 موقعاً إلكترونياً فقط من أصل 75 عمالة وإقليماً. ومن بين هذه المواقع، تميز إقليمان فقط، هما صفرو وسطات، بتحقيقهما نقاطاً تفوق المتوسط، حيث حصل إقليم صفرو على 88 نقطة من أصل 100، يليه إقليم سطات بـ50 نقطة. أما باقي الأقاليم، وعددها 21، فلم يتجاوز معدل تنقيطها 21 نقطة فقط، بانخفاض ثلاث نقاط مقارنة بسنة 2023.
ووفقاً للتقرير، فإن ضعف التوفر على مواقع إلكترونية لا يمثل وحده المشكل، بل يتعداه إلى خلل عميق في بنية المحتوى وجودته. إذ أن حتى المواقع الموجودة لا تستوفي أبسط معايير النشر الرقمي للمعلومات، مما يجعلها غير قادرة على لعب دورها كوسيط فعّال بين المواطن والمؤسسة الترابية.
ولاحظ التقرير أيضاً، على غرار ما تم تسجيله على مستوى الجهات، أن البيانات المرتبطة بالمشاركة المواطنة تشكّل الجزء الأكبر من المعلومات المتوفرة على مواقع العمالات والأقاليم، بينما البيانات المالية تظل في حكم الغائبة. ورغم تسجيل تحسن نسبي في نشر بعض المعطيات المرتبطة بالحكامة الترابية، مثل الهيكل التنظيمي وإعلانات التوظيف، إلا أن التقرير شدد على أن ذلك يبقى غير كافٍ في غياب شفافية مالية حقيقية.
وأشار التقرير إلى أن مؤشر سنة 2024 شهد توسيع قاعدة الجماعات الترابية الخاضعة للتتبع، عقب إدماج 22 جماعة إضافية، تم اختيارها استناداً إلى نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى، والتي أظهرت ارتفاع عدد الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة، وهو ما يعكس تحولاً ديموغرافياً يتطلب تطويراً مماثلاً في بنية الشفافية الرقمية.
وبشكل عام، خلص التقرير إلى أن ضعف النشر الرقمي للبيانات، خاصة ذات الطابع المالي، يشكل عائقاً كبيراً أمام تفعيل القانون رقم 31.13 وضمان الحق الدستوري في الوصول إلى المعلومة. كما دعا إلى تكثيف الجهود لتحسين الأداء الرقمي للجماعات الترابية والرفع من جودة وكمية المعلومات المنشورة بشكل يضمن شفافية حقيقية ويعزز ثقة المواطن في الإدارة.