بقلم : د. عادل بنحمزة
يعرّف الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان، القيادة بقوله: “القيادة هي القدرة على ترغيب الرجال بالقيام بما لا يرغبون القيام به”، بينما يرى الجنرال الأميركي عمر برادلي أن القيادة هي “فن التأثير في السلوك البشري من خلال القدرة على التأثير في الناس بشكل مباشر ودفعهم للعمل على هدف ما”. وهو يتفق مع رأي كل من (كونتز وأودنل) Contez & ODNEL القائل إن “القيادة هي القدرة على إحداث تأثير في الأشخاص عن طريق الاتصال بهم وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف”، وآرثر ويمر ARTHUR WEMER الذي أكد أن “القيادة هي القدرة على التأثير في الآخرين” وهو رأي هايمان وهيلغرت نفسه… أي “القدرة التي يمتلكها الفرد في التأثير على أفكار الآخرين واتجاهاتهم وسلوكهم”.
بينما يرى بيترف دراكر PETERF. DRUCKER أن القيادة هي “الارتفاع ببصيرة الإنسان إلى نظرات أعمق، والارتفاع بمستوى أدائه إلى أعلى المستويات”. أما آرثر جاغو فيري، فيقول إن القيادة “عملية ومَلَكة في الوقت عينه. فالقيادة كعملية هي استخدام التأثير غير الملزم في توجيه وتنسيق أنشطة الأفراد في جماعة ما لتحقيق أهداف محددة… والقيادة كملكة، هي سمة يتمتع بها الأشخاص الذين ينجحون بتوظيف هذا التأثير”، أي التمييز بين القيادة كنشاط والقيادة كسمة شخصية لدى الفرد، كأن نقول إن شخصاً له ميول قيادية.
بحسب التعرفات السابقة نرى أن القيادة تتحقق بالقدرة على التأثير، وهذه القدرة ترتبط بالتاريخ الشخصي للقائد وتوازنه النفسي والعاطفي، إذ غالباً ما تؤثر هذه الجوانب في عملية اتخاذ القرار سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، والقيادة عند رجل السياسة ليست دائماً مهمة رسولية تتسم بالتضحية ونكران الذات، بل هي قد تشكل طموحاً شخصياً أو في حالات، استجابة لواجب وطني يقتضي الوصول إلى السلطة، سواء من طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع، أو من طريق الانقلاب أو الثورة، فالسياسة كما يقول الكاردينال دو ريتز “هي فن جني الشرف من الضرورة…”. انتظام المجتمع في إطار الدولة ومؤسساتها وتحت قيادة معينة هو شكل التنظيم السياسي الذي ارتضته المجتمعات الإنسانية المختلفة منذ عصور وهذا الشكل يمثل ضرورة لا يمكن تجاوزها رغم المخاطر التي تهدد مفهوم الدولة في المرحلة المعاصرة، كما أن الحاجة إلى القادة، أمر ثابت منذ زمان وعبر كل الحقب التاريخية التي طبعت الإنسانية، وفي ذلك يقول “راسل” إن “معظم الناس يشعرون أن السياسة قضية صعبة وأنه من الأفضل لهم أن يتبعوا قائداً، إنهم يشعرون بذلك غريزياً ومن دون وعي…”.
أحداث أيار (مايو) 1968 تذكرنا أن ديغول كان رجلاً عظيماً في تاريخ فرنسا، حيث لا يمكن أن تذكر الدولة من دون الحديث عنه، لقد إستطاع الرجل أن يتجاوز ربيع باريس سنة 1968 بخبرته وتجربته الكبيرتين، وفاز بالانتخابات النيابية التي أعقبت ذلك الربيع، في وقت كان الجميع يعتقد أن الحزب الشيوعي الفرنسي سيستثمر تلك الأحداث لفائدته.
في سنة 1969 دعا ديغول الشعب الفرنسي لاستفتاء سعى من ورائه إلى إدخال تعديلات تهم عدداً من المجالات الحيوية، وربط إستمراره في رئاسة الجمهورية بنتيجة التصويت. الفرنسيون كانوا يقدرون ديغول بلا شك، لكن جزءاً كبيراً منهم لم ترقه تلك الإصلاحات، فجاءت نتيجة التصويت بـ”لا” بنسبة 52 في المئة، فما كان من الكبير ديغول سوى أن سارع لإعلان إستقالته من سطرين أمام ذهول الجميع “أعلن توقفي عن ممارسة مهامي رئيساً للجمهورية. يصبح هذا القرار نافذاً ظهر اليوم 29 نيسان (أبريل) 1969”. بعدها بسنة فقط غادر ديغول الحياة إلى الأبد تاركا وصية هي الأخرى من سطرين، حيث طلب في الأول ألا يحضر جنازته رؤساء أو وزراء، وطلب في الثاني ألا يكتب على قبره سوى “شارل ديغول 1890- 1970”.
عاش ديغول ومات قائداً عظيماً، بينما آخرون لا يعرفون سبيلاً للنهايات الجميلة…